الثلاثاء، 14 أغسطس 2018

بقلم الأديب"حسن السلموني"



صبي و لا تقتصدي ، و كأني أحتسي نبيذا من حلمتيك يقطر ، في محراب كوني ، الغي الأبارق و الكؤوس و افرغي ، الزق في ثغري حتى يستشف لساني ما بالقعر من الندى المرحق ، و لا تسألي الأيام عن أسماءها و الأشهر ، إني خالعها قبل أن تخلعني من ديارها ، إني للحجج شراع و رياح أمضي بها ، حتى إذا تهالكت من عتي ألقيت بها ، أبلج كالبدر عند بزوغه في الليل المدلهم ، و إذا طحا النهار فراشا لقدومي ، أراهم و عين أمي شاهد ، كأنهم السراب اللجلج ، لقد جفا القوم منكبي ، و إني أقدر الجفا عند جهلهم ، لقد كللت من مضاضة و الكلكل ، و مديتي ، تعاف الشراب من وريد العدى ، لا تقبل قافية قافلتها قطع الرؤوس النخال ، إني لا أرى على هذه الأرض سوى أوطانا من مزابل البشر ، و لئن تبق مني بقية ، فما الجدوى من البقاء ، و على كتفي قد ترهل نعش الزمان و اهترى ، إني لو أصعد هرما من القبور ، لا يشفي النواح و لا العويل لساني ، و ما بالمقابر غير الأجسام الصمم ، و نحن في دار البقاء نحلق فحولا كالأقمار النواصع ، و نجعل من الملوك في الخصام ذيل مدنس ، و نبعث الموتى يتلون من ذكرى الموت كتابا طمست أطلاله ، أنعيه لكم ، و أنعي لكم قبيلة كانت تلقن الملوك هزائما ، إن لساني لسانها ، يصون في الوجدان ما يدثر الطمسان ، و لا الأظعان تحرف بين الأجيال نقله ، إننا نرزق ببسالة الأجداد و الأوطان أرحام حرائر ، لا الموت يكمم زحف أقدامنا ، و لا الجبن يكبل نواصينا إدبارا ، عندما نركب الطريق من وطأ أقدامنا يتهشم الصخر،و تدوي الوعار أمام حوافر أقلامنا ، و لا عضة الخذلان تصدر وجودي خفيتا خفيض معبد ، عند النشوء في الولادة لبست الكفر ترسا من العصيان الجرجر ، و إن يظنون أنهم بالغر قد وأدوا ، إنما ذلك دلو قاصر متوهم ، كلجة تلوح ظل طل يذوب في مارج من السراب ، إني على مصطبة الكون قاعد ، لا أغل اللسان و لا أطوي للكتاب فصاحة ، لست ذاك الوارد إلى حشود الرثاء ، أعلق على أذقان المقابر تمائم البكاء ، إني أبسط على غصن الزمان للرحيل جناحا ، و أنقر بسبحة الأديان إنسانا في الجهالة قد ترسب ، يحيك للكون لباس حداد ، هدية لمدن الأرض ترتديه أنقاضا من الدمار و الخرب ، و إن أعدمت قبل إعدام الأرض ، إن لي نعي أعير نعله و على الذراع يلوح السحال ، و إن يذهب العز عن قوم غدر ثأر ، فإني على الدهر وضعت مضغة وشم ، و دهان الدهر من جلدي لن يترهل ، يافع يرضع مني الحلم رشدا ، إني بالوغى بكر لا غسق لي عند الشدائد و لا أشد بأكرة الجبن باب الوقوب ،نطقا يسبق المدى صياحي قبل التململ ، يضني المتلقي إيلاف التضارب ، من منا الصدى و من المصدر ، إني لأبرق إلى القوم القول الصحصح ، لقد هجد الظلم عهد الذي على الإمارة يقوم ، صفت له المساجد و الشوارع أضحت نعوشا تزن من جيف الأقدام أثقالا ، و لا ترى مشاء وقعه في المضي عصيان ، إلا أجراء القوادة الذين تغص بهم المنابر ، مذميذ في غرف الطاغوت يدعي حسن واجهة ، لئيم لا يستحي جمال الله في خلقه ، يقابل الملأ جمعة و الجحود على الجبين جاحظ ، يسوق العبيد كرها اعتناق تقاليد دينه ، فرائضه من أحزاب تغلوا تطرفا في طمس المعالم ، إننا نحضن العصيان و ننضده ضم المهد للبكر من الحمل ، و لا أخشى مواعيد الحذف إن تنادي لقاء موعد ، و إنما أخشى الزمان أن يخبر عني أني ذاك الجبان المستصغر ، و أنا على نواصي الخيل ذاك الوشم المحجل ، يلوح بريق وشاحه للكفيف المسمل ، إن شعري ثريا ، تزين السماء فوانيس لكواكب ، لقد نشأت له من طين جسدي ، مشكاة فخار قد الجبال قامتها ، لن ترعب السجون حاضري ، نحن من يشق سبيل أبوابها ، إن أقدامنا قد الطود قامة و تباتا ، يقودني الزمان و إني له القائد الملجم ، مجيء و المجيء على ركب الدهر ، حدث مقدر ، و القدر حدث في حدوثه لا يلام ، أن ألاقي في الولادة السادس من ملوكهم ، وجه كسوءة القرد لا يغطي شناعتها الذيل المقزم ، و نحط به على المسطح ، كفارض من نعاج ضند ، تلوح في قعر الجواد المقفر ، ضامر ، صلعاء الجلد طاعن في البرص ، كعرجون لا يقوى على حمل مسند ، من وقع الجبن ، تحبس في الجوف ثغاء ، يخور زخة بشولة من المهلب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق